وصفه يستحاق أيلان، وهو ضابط سابق في "الشاباك"، بأنه "قطّ شوارع… لطالما حاولنا الإمساك به لكنه أفلت من أيدينا، والآن أعيد اعتقاله لانخراطه مرة أخرى في أنشطة إرهابية".
فيما قال عنه، في مقابلة مع صحيفة "معاريف"، عام 2019، إن الكيان الصهيونى سعت لوضع يدها على الزبيدي حين كان مطلوباً لأجهزتها الأمنية، لكنها لم تنجح. واعتُقل في الأيام الأخيرة بسبب تورُّطه في التخطيط لتنفيذ هجمات مسلَّحة ضد الكيان".
"قِف على ناصية الحلم وقاتِل.. فالحلم لا يموت ولا تقهره الثوابت".
لعل جملة الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، من قصيدته "كان ما سوف يكون"، تقترب من الشاب الأسمر والمقاوم العنيد زكريا الزبيدي.
وكأنّ النص الشعري يُحرِّض الزبيدي ورفاقه على فعل أي شيء، ما دام الهدف مشروعا، وما دامت الوسيلة متاحة، وإن تجسد ذلك بمحاولة بحثية بدأها زكريا الزبيدي قبل اعتقاله وأسقطها واقعا بفراره من سجن محتله.
ولد المحرر القائد زكريا محمد عبد الرحمن الزبيدي فى مخيم جنين عام 1976، وعاش يتيم الأب منذ سنوات صباه (تُوُفّي والده نتيجة مرض)، ويتحدث اللغة العبرية بطلاقة، وأخذت والدته على عاتقها تربيته مع 7 أشقّاء.
إستشهدت والدته وشقيقه برصاص قوات العدو الصهيونى، ويقضي أشقاؤه حكماً بالمؤبد في سجون الاحتلال، الذي هدم منزل العائلة ثلاث مرات.
القائد زكريا الزبيدي المسؤول عن "التخطيط الكثير من العمليات الإستشهادية في عمق الكيان الصهيونى"، قُتل فيها عشرات الصهاينة، رداً على المجازر التي ارتكبها العدو أثناء الانتفاضة الثانية، وفي مقدمتها تدمير مخيم جنين وحصاره، حيث كان يقيم مع رفاق سلاحه.
ويعتبر القائد الزبيدي من أبرز المطلوبين من قِبل مايسمى الأمن الصهيونى، قبل أن يحصل على عفو هو ورفاقه في منتصف عام 2007، حيث قام بتسليم أسلحته إلى السلطة الفلسطينية، وانتقل إلى المقاومة الثقافية من خلال المسرح والفنون.
نجا القائد الزبيدي من 4 محاولات اغتيال من قبل قوات العدو الصهيونى ، ولم يَسْلَم من الجروح بفعل الإصابات التي تعرّض لها.
في إحدى المحاولات عام 2004، إغتالت قوات الاحتلال خمسة فلسطينيين، بينهم طفل يبلغ من العمر 14 عاماً، بعد استهداف مركبة كان يُعتقد أن الزبيدي فيها.
وفي محاولة أخرى، اقتحمت قوات الاحتلال مخيم جنين لقتله، وفي الهجوم استشهد 9 فلسطينيين، وتمكّن الزبيدي من النجاة. وفي عام 2006، حاول الاحتلال اعتقال الزبيدي، لكنه فشل بعد خوض اشتباك مسلّح معه.
وفي 2011 ألغى الكيان الصهيونى العفو عنه واعتقلته وسجنته في سجن جلبوع العسكري شمالي فلسطين، بعدما اتهمه مايسمى جهاز الأمن العام "الشاباك" بالمشاركة في هجمات إطلاق النار خارج مستوطنة بيت إيل.
يقول القيادى الفتحاوى جمال حويل للجزيرة نت إنه وزكريا سارا معا كما عهدهما بالمقاومة والنضال لتوثيق تضحيات مخيم جنين عبر رسالتي ماجستير؛ الأولى له شخصيا وأسماها "معركة مخيم جنين.. التشكيل والأسطورة"، والثانية للزبيدي وعنوانها "الصياد والتنين.. المطاردة في التجربة الفلسطينية". واتفقا أن يخلص الاثنان لكتاب مشترك عنوانه "المطارد رقم 1".
وكانت أطروحة الزبيدي، حسب حويل، ستتمحور أساسا حول توثيق تجربة المطاردة الفلسطينية على مدى 50 عاما تقريبا، حيث تطرق إطارها النظري لمطاردات الفلسطينيين تاريخيا، وأسقط تجربته الشخصية ووثقها حتى يستهدي بها كل مقاوم في مواجهة الاحتلال والإفلات منه
كما تتناول تطور الاحتلال وأجهزة مخابراته أمنيا وتقنيا وبمساعدة مادية من "الجواسيس"، بالمقابل تمكن المناضل وعبر عوامل عدة من التخفي.
يقول حويل إن "خير الأبطال والمناضلين من يستمر بالمطاردة أكثر، ويوقع الخسائر بالاحتلال أكثر، وليس المطاردة لأجل المطاردة" مستلهما أفكار الزبيدي.
ويؤكد حويل أن رسالة زكريا أُعدت فعلا دون أن يتمكن من نقاشها، بينما ناقش هو رسالته عام 2011 والتي وثَّقت تضحيات مخيم جنين قبل اجتياح 2002، أما زكريا فقد عالج صمود المخيم بعد ذلك التاريخ.
ويردف "كنا نمازح زكريا ونقول له نخشى أن تعتقل قبل مناقشة الرسالة، فكان يقول اتركوا سطرين للتنين يكتبهما قريبا" أي للمطارَد.
وزكريا "عظيم كعظمة أبناء شعبه" يقول حويل، وهو من الشباب النادر بالتضحية والفداء، فوالده ووالدته وشقيقه شهداء، واعتقل أشقاؤه الخمسة وتميزوا بتنوع انتمائهم السياسي، وسجنوا لسنوات طويلة، وهُدم منزلهم 4 مرات فهم "عائلة صغيرة لكنها جيش بأكمله".
ويتابع "سألني قيادي فلسطيني رفيع المستوى لماذا أطلق زكريا قبل اعتقاله الأخير النار على الاحتلال قرب رام الله؟"، فأجبت باختصار "لأنه زكريا".
يصفه القيادي حويل "بالمقاوم المستمر" الذي لا يفكر إلا بالاحتلال ومواجهته، ويقول إن عائلته عاشت حياة غير مستقرة، فهي لم تجتمع مرة منذ عام 1991 على مائدة واحدة سوية، وعرف عن والده "صناعة أول سلاح محلي (مسدس) باستخدام الأنابيب، أما والدته فكانت تراقب وتنظف سلاح المقاومين".
وإلى مخيم جنين حيث تقطن عائلة زكريا انتقلنا بسؤال عن سر الرجل وعناده في المقاومة لشقيقه الأسير السابق يحيى الزبيدي، فردّ بأسئلة جريئة وقال "هل حصل الشعب الفلسطيني على حريته؟ وهل نال دولة مستقلة ذات سيادة؟ وكيف تفسر أننا ما زلنا في آخر دولة محتلة في القرن الـ21؟".
وقال يحيى للجزيرة نت، زكريا مقاتل عنيد لأنه طالب للحرية ولا يريد الموت له ولا لأبناء شعبه. "من يطالب بالحرية يصبح أقوى وأعند رجل بالعالم لأنه يطالب بحق مشروع تكفله كل الكتب السماوية وكل الشرائع الدولية، ولهذا الشعب مستمر حتى نيل حريته".